مرحبا بكم فى مدونة احداث وتعليقات


وقعنا فى المحظور.......... بقلم أ/ فهمى هويدى


اذا صح أن محافظ كفر الشيخ أصدر قرارا بمنع تحفيظ القرآن فى البيوت إلا إذا كان القائم على الحفظ إما مرخصا له من وزارة الأوقاف أو مندوبا عن إحدى الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، فذلك يعد تعبيرا عن حالة التخبط والارتباك التى وقع فيها البعض بعدما وقعت الواقعة فى الإسكندرية ــ ذلك أنه بمقتضى هذا القرار فإن حفظ القرآن أصبح غير مسموح به فى البيوت إلا إذا تم تحت إشراف الحكومة أو من يمثلها. وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن ذلك التخبط عبرت عنه مختلف وسائل الإعلام المصرية، التى امتلأت بكتابات حين حاولت أن تتعاطف مع الأقباط وتنصفهم، فإنها لجأت إلى اتهام المسلمين ومحاولة تحميلهم بالمسئولية عن جرم لم يرتكبوه. بل ظن البعض أن إضعاف الإسلام فى البلد وطمس هويته الإسلامية مما يقطع الطريق أمام احتمالات الفتنة التى بدأت تلوح فى الأفق. وبدا فى كتابات هؤلاء أنهم اتخذوا موقفا معاكسا تماما لمن قالوا بأن الإسلام هو الحل، فحاولوا إقناع الرأى العام بأن الإسلام هو المشكلة.

لقد اقترح أحد كبار الصحفيين إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمى، وطالب بنص آخر يقرر أن مصر مجتمع مدنى تسكنه أغلبية من المسلمين. فى تبسيط ساذج للمسألة، وطرح حل معيب لها.

أما التبسيط فيكمن فى التعامل اللغوى مع الملف. بمعنى اللجوء إلى تغيير الصياغات اللغوية دون تفكير فى تغيير شىء من معطيات الواقع. وهو ما يذكرنا بمعالجة مسألة «المواطنة» التى تحمسنا يوما ما للدفاع عنها، وكل ما فعلناه أننا أضفنا الكلمة إلى تعديل تم فى صلب المادة الأولى من الدستور، فاعتبرنا أن نظام مصر «ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة»، ولم نكن بحاجة لذلك، لأن النص الأصلى للدستور تضمن فى المادة 40 نصا أوضح وأوفى قرر أن «المواطنون لدى القانون سواء. وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». وظننا أننا حللنا المشكلة بالنص على المواطنة فى المادة الأولى، وأراح ذلك ضمائر المعنيين بالأمر، لكن ذلك لم يغير شيئا من الواقع، وظلت المشكلة كما هى.

لقد ظن البعض أن طمس الهوية الإسلامية للمجتمع يمكن أن يحل الإشكال، فى تعبير لا أعرف إن كان يعبر عن شعور بالنقص وازدراء الذات أو شعور بالنفور والمرارة. إن المادة الأولى من الدستور اليونانى تنص على أن الأرثوذكسية الشرقية هى المذهب الرسمى للبلد. والملك فى كل من الدنمارك والسويد يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الإنجيلية، وفى إسبانيا يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية. وذلك حاصل أيضا فى بعض دول أمريكا اللاتينية. وفى نيبال وتايلاند تعد البوذية دينا رسميا لكل منهما.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يستشعر هؤلاء عارا من اعتبار الإسلام دينا للدولة المصرية؟ ولماذا الإلحاح على تلك المعادلة البائسة التى تريد إقناع الرأى العام بأن إنصاف الأقباط لا يكون إلا بملاحقة الإسلام وحصاره فى المجال العام. وهل يكون الحل فى منع تدريس مادة الدين فى المدارس، كما طالب البعض، بحيث يجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية فى منهج دراسى واحد، رغم ما بينهما من اختلافات فى الضوابط والخصائص؟ ولا أعرف ما هى «الأسلمة» الحاصلة فى مصر التى وجه إليها البعض سهامهم واعتبروها مسئولة عن تدهور ثقافة المجتمع وتمزيق روابطه؟

إن ثمة هرجا شديدا فى الساحة الإعلامية، تخللته رسائل أخطأت الوسيلة والهدف، حين أرادت أن تهدئ من خاطر الأقباط فاستفزت المسلمين، وحاولت أن تتصدى للتعصب فضربت التدين وأهانته، من ثم فإنها جرحت بأكثر مما عالجت وأفسدت بأكثر مما أصلحت. ولم يسلم بعض العقلاء من الانزلاق والشطط، فاعتبر بعضهم أن مواجهة الحقائق والدفاع عن الدولة المصرية يعد مساسا بالوحدة الوطنية، وفوجئنا بأن رجلا مثل الدكتور محمد سليم العوا، الذى يعد أحد أبرز رموز الوسطية وأحد أهم أركان استمرار الحوار الإسلامى المسيحى، موضوع فى تصنيف واحد مع بن لادن والظواهرى.

لقد تحدث الدكتور حسن نافعة، وهو من العقلاء القليلين الذين تعاملوا مع الموضوع فى كتاباتهم، عن الاستغلال السياسى لحادث الإسكندرية، وكيف أن البعص يحاول استثماره واستخدامه فى الابتزاز وتعظيم المكاسب، وهو محق فى ذلك لا ريب. لكنى أضيف أن الحكومة أصبحت المستفيد الأول مما يجرى، لأن الناس توقفوا عن الحديث عن فضائح الانتخابات وقضايا الفساد فى البلد، كما أن ما جرى بدا ذريعة قوية لمد قانون الطوارئ والدفاع عن استمراره. إن مصائب قوم عدن قوم فوائد.

0 التعليقات: